بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على كا من له قطرة فصاحة في اللغة العربية الفصحى، والسلام على كل من يهتم للشعر ويحفظ القليل من متونه، أو أن يديه تزخر بجود أنامله من أروع القصائد وأزكاها في نقس القارئ...
ها أنا ذا أقدم لكم أحبائي في أروع منتدى ، هذه القصة عن الأصمعي والمنصور أمير زمانه...
لن أطيل عليكم :
وقيل أنَّ المنصور لم يكن مقتنع بحرفة الشعر وكان يعتبر إغداق المال على الشعراء سفهاً__وكان هذا الخليفة قد منَّ الله عليه بموهبة حفظ القصيدة عند سماعها مرة واحدة _ وكان له غلام يحفظها عند سماعها مرتين __وجارية __تحفظها من ثلاث...
فاستغل الخليفة تلك النعمة وأصدر قانون بأنه لن يجزي الشاعر إلا من مكتوبه أما إن كان من محفوظه أو منقوله فلن يجزيه شئاً....وكان الجزاء هو وزن الورق الذى كتبت عليه القصيدة ذهباً.
ويأتيأيُّ شاعرٍ من الشعراء المساكين ....وقدكتب قصيدته ....فيستأذن على الخليفة..
الخليفه...هل تعرف الشروط؟؟؟؟
الشاعر .....نعم...
فيسترخي الخليفة ليمعن السمع.....
ويقول الشاعر قصيدته .....ويحفظها الخليفة ...فيقولها له .....وبذلك يحفظها الغلام ...فيخرج ويقولها له ....فتحفظها الجارية ....فتقولها له ....و بذلك تصبح القصيدة قديمة ..... ويخرج الشاعر وقد كاد يجن.......ولا يعرف أنها حيلة من الخليفة...
وبينما جلس الشعراء يندبون حظهم إذ مر بهم _ الأصمعى _وكان أحد جحافل الشعر ....
فحكوا له ما هم فيه قائلين(نكتب القصيدة من بنات أفكارنا ثم نكتشف أن أحدا قد كتبها قبلنا) فقال لهم ....اتركو لي هذا الأمر....
فذهب الأصمعى فكتب قصيدة ملونة الموضوعات مختلفة الأشكال ......وغيَّر من هيئته
...فجدل شعره جدائل ثم أوقفها كالقرون ولبس جلد شاة.. وجرَّ ناقته خلفه ودخل المجلس حافياً
الأصمعى: السلام عليك يا أمير المؤمنين ...أنا شاعر من أعراب الموصل ...وعندي قصيدة
الخليفة :وعليك السلام ...أتعرف الشروط؟
الأصمعى :نعم (وقال له الشروط)
الخليفة :صدقت قل ....(واسترخى الخليفة منصتاً )...!!
الأصمعي يبدأ بقصيدتِهِ :
((صوت صفير البلبل...هيج قلبى الثمل..
الماء والزهر مع ...معر ريح زهري المعطر ِ..)))
الخليفة :سهله ....أكمل ....
الأصمعى ((.وأنت يا سيد لي وسيدي موللي ...فكم فكم تيَّمني غُزيل عقيقلي ..
قطفتُه من وجنة ...من لثم وحي الخاجلي ...فقال لا لا لالالا وقد غدى مهرولِ..)))
(أخذ الخليفه يعد _اللاءات _فإذا هى أكثر من ثلاث )
(((.والخود مالت طارباً من فعل هذا الرجل...فولولتْ وولولتْ ولي ولي يا ويل لي ..
فقلت لا تولولي ...وبينى الؤلؤ لي ...قالت حين كذا انهض وجد بالمقل ِ...
وفتيةٍ سقونني قهوة كالعسلل ِ...شممتها بأنفي أذكى من القرنفل ِ ..
فى وسط بستان حلي ... بالسعد والسرور لي
و العود دنْ دنْ دنْ لي ...و الطبل طبْ طبْ طبْ لي ..
طبْ طبْ طبْ ..طبْ طبْ طبْ ..طبْ طبْ طبْ ..طبْ طبْ طبْ لي..
والسقفُ قد سقْ سقْ لي ...شوي شوي وشاهش ٍ على ورق ٍ سفرجل ِ ..
والرقصُ قد طابَلي
وأخذ القمر يصيح ملل ِ فى ملل ِ
ولو تراني راكباً على حمارٍ أهزل ...يمشي على ثلاثة كمشية العرنجل ِ..
و الناس ترجم جملي ...فى السوق بالقلقللي ...
و الكل _كعْ كعْ كعكعَ_ خلفي ومن حويللي ..لولا ذهبتُ هارباً للقاء ِ ملك ٍ معظم ٍ مبجل ِ ..
يسكنُ فى قلعة ٍ حمراء َ كالدم ِ دملي
أجر فيها مُبغدِداً للذَّيل ِِ ..
أنا الأديب الألمعي ...
من حي أرض الموصل... نظمت قطعاً زُخرفت.. يعجز عنها الأدبل ِ
أقول في مطلعها....صوت صفير البلبل
أ خذ الخليفه يعد ما تبقى بعقله من محفوظ ____فلم يجد غير _طبْ طبْ طبْ _ودمدملي_
فسأل الغلام وكان يقف خلف ستار فنفى أنه قد سمع بهذه القصيدة من قبل
.....ولم يكن حال الجارية بأفضل من حالهما....
الخليفة مهموم : إذن اذهب ياأعرابى فاحضر ما كتبتها عليه نجزيك وزنه ذهبا....
الأصمعى :لقد ورثت عمود رخام عن أبي ___نقشت عليهِ القصيدة نقشاً وهو على ظهر الناقة لا يحمله الا أربعة من الجنود.....
....فانهار الخليفة
ووزن عمود الرخام ...وأخذ الاصمعى كل ما فى الخزانة من ذهب ...وعندها كشف الأصمعى عن هيئته ....طار الخليفه فرحاً ..رحب بضيفه وهمأراد أن يأخذ مال الدولة منه فأبى الأصمعي حتى رد الخليفة للشعراء حقوقهم وألغى قانونه السابق وأصبحت هذه الروايه أضحوكة حتى يومنا هذا
وهذا شرح لبعض مضموناتها
اولا --- هذه القصيده كانت مكتوبه لتعجيز الخليفه عن حفظها
ثانيا ---- هذه القصيده ملونه الموضوعات
وها هي ذي القصيدة كاملة ...
*(صوت صفير البلبل هيج قلبى الثمل-- الماء و الزهر مع ..مع زهر لحظ المقل )
وصف الاصمعى حاله قلبه بال_ثمل_ كنايه عن عزابه فى حبه
*(وانت يا سيد لى وسيدى و موللى )
انتقال من موضوع الى اخر
وهنا يمجد الخليفه بذكره اربعه الفاظ لها نفس المعنى
سيدا لى و سيدى ومولاً لى " اطناب"
*(فكم فكم .. تيمنى غزيل عقيقلى ...قطفطه من وجنه من لثم وحى الخاجلى فقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهرول)
فكم فكم تيَّمَنِي ***** غزيل عقيقلي : أي كم تيمني (جعلني مغرم) غزال (تشبيه للمراة) عقيقلي (حمراء الخدود مثل لون العقيق الأحمر).
قطفته من وجنة ***** من لثم ورد الخجل : تشبيه آخر اللون الأحمر في الخدود كالورد ويقول أنه قطفه (أي أن المرأة أعجبت به أيضا)، وأن هذا اللون الأحمر جاء من الخجل، طبعاً لأنه أعجبها!!!
وتفسير البيتين، أنه وقع في غرام امرأة حلوة و رشيقة كالغزال، عندما رأته إحمرت خدودها من الخجل فعلم إنها أعجبت به مثلما أعجب هو بها.
فقال لا لا ولا لا ***** وقد غدى مهرول : يعني أن المرأة لا تريد أن تقع في الحب فقالت لا لا و لالا (إطناب وتأكيد الرفض) وهربت راكضة من المكان
*(و الخود مالت طارباً .... من فعل هذا الرجل فولولت وولولت ولي ولي يا ويل لي ) :
ووهنا عاد الى الموضوع الأول وهو الحب و الغزل
و الموضوع .... أنه دخل على حبيبته فى الحديقه فعندما رأته احمرت خدودها من الحياء و الفرح فأخزت تولول و تدعو بالويل إن أحد رآها فى هذا الموقف
*(فقلت لا تولولى وبينى اللؤلؤ لى) : وهنا يطمأنها الحبيب ويسكن من روعها المصطنع و المزعوم ويطلب منها أن تطمأن وأن تضحك و تبين بياض أسنانها عند الضحك "غزل صريح"
* (قالت حين كذا انهظ وجد بالمقل ) : فقالت له حين ذاك جاء و تقدم لخطبتها و أنهى العملية مع أهلها :
==== و تريد ان تستقدم همته بان تقلقه عليها وأنَّ الخاطبون كثر , فتقول له :
*( و فتية سقوننى قهوة كالعسلل ) : وكان هناك فتية قد قدموا لها قهوة تصف طعمها بالعسل كناية عن جمال المذاق
*(شممتها بأنفى اذكى من القرنفل ) : كناية عن جمال الرائحة وثم تشبيهه بالقرنفل لجمال الرائحة
*(فى وسط بستان حلى .... بالسعد والسرور لى ) : وكان هذا المقهى فى وسط بستان جميل أدخل البهجة إلى قلبي
*( و العود دن دن دن لى ) : وهنا تصف صوت دندنة آله العود الموسيقية
* (والطبل طب طب طب لى ) : ويصف أيضاً صوت طبطبه الطبلة
*(طبطبطب طبطبطب طبطبطب طبطب طب لى ) : وهنا "إطناب" فى وصف صوت الطبلة , وهذا أعلى مراتب الشعر فقد وصف الطبلة وأنت عندما تقرأ تحس أنك تسمعها وكذلك العود
والتخصيص فى _لى _ لتثتثير الغيره بداخل حبيبها
*(و السقف قد سق سق سق سقلى ) : *(شوا شوا و شاهش ) *(على ورق سفرجل) :
هنا توصف صوت التعريشة (السقف ) للمقهى التى كانته فيه : وكان السقف مصنوعاً من نوع من الأشجار عندما تتلاعب به الرياح يصدر صوت ورق السفرجل عندما تضرب عليه (شوا شوا وشاهش ) : وهى كنايه عن ترابط الموسيقى للعود والطبله مع صوت الرياح وتشبيه بليغ فى وصف الرياح كأنها تتراقص على انغام الموسيقى
----------------
ثم ينتقل الى موضوع اخر
*(وأخذ القِمر يصيح ملل ٍفى ملل ) : وهي كناية عن كره أهل المدينة له
ثم يبدأ بوصف حادثته :
*(ولو ترانى راكبا على حمارأهزل) : مفهومة
*(يمشى على ثلاثه كمشيه العرنجل) : وصف للحمار أنَّه لا يصلح لشيء وتشبيه بليغ شبه فيه الحمار بالأعرج
*(و الناس ترجم جملى ) : مفهومةٌ
*(فى السوق بالقلقلل) : وهنا يعود ليصف حماره بالجمل لأنَّه ردَّ عنه بعض الأذى من الناس التى فى السوق وكانت ترجمته بالقلقلل
وهنا قلقلل ----- معناها قلاقيل الطوب
*(و الكلُّ كع كع كعكع ... خلفى ومن حويللى ) : كناية عن كثرة الناس .
*كع كع كعكع---- جرى
*(لولا ذهبتُ هارباً الى لقاء ملك معظم مبجَّل ) : يتقرَّب إلى الخليفة بلفظٍ جميلٍ .
*(يسكن فى قلعة حمراء كالدمدملي) : تشبيه حمار القلعة بالدم
*(أجرُّ فيها مبغدداً للذيل ) : وهنا يصف حالة نقيض عند الملك حتى يجعل الملك يحترمه ويقدر هوان الناس الذينَ أساؤوا لهُ .
*(انا الاديب الالمعى ..من حي ارض الموصلى ...نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الادبل ) : اعتزاز بنفسه و تمويه الى اسمه بلفظه(الألمعي)وهى قريبة من (الأصمعي) أو ليشبَّه نفسه بالنجم فى لمعانه .
ويقول _نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها اديب الادباء _ : وهي صيغه تحدي عالية الجودة شديدة الأدب يستطيع أن يتبين من عين الخليفه حقيقةالأمر عند قولها .
*(اقول فى مطلعها صوت صفير البلبل ) : كناية عن يسرها و سلاستها _السهل _الممتنع_
و نتعلم من هذه القصيدة مدى قدرة العرب على تطويع الألفاظ و الإتيان بالتعبيرات و التشبيهات و الكنايات والأوصاف
كما نتعلم مدى حرص خلفاء الدوله على اموال دولتهم وخوفهم على المصلحه العامهوذكائهم فى اتخاذ القرارات
بالمناسبة، الخليفة المذكور في الروايات عن هذه القصيدة هوالخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
هنا أعزائي ينتهي الشرح وتنتهي القصة... لكن ! هناك جدل كبير حول صحة هذه القصة وصحة القصيدة أيضا،...
فالأصمعي كان عابداً وزاهداً ، أي أنه لا يُعقل أن يقول شعراً مليئاً بالغزل ووصف المحاسن أو الرقص وما إلى ذلك من خبايا القصيدة الغامض نُظمها... ولو أن التاريخ يزخرُ لنا من مجودات الأصمعي ومثل هذه القصيدة الرائعة لما غفل عن إعطائنا لمحة عن حياة هذا الأمير الحفاظ أو غلامه أو جاريته... وهذا يثير الجدل حقاً ن فليس من الممكن أن يتناسى التاريخ أمثال هذه المعجزات ويذكر لنا قصيدة تمكن من نظمها وهي سهلة مقارنة بالفصاحة الشعرية الحادة والعميقة...
المهم أننا لا ندري صحة هذه القصة أو القصيدة لأنها ضعيفة سنداً زمتناً ولم تُدكر إلا في كتابين هما لمألفين لا أساس لهما من الجدية في الأدب العربي الفصيح... مع أن الأدب والشعر شهد في الآونة الأخيرة نوعاً من الغموض، فنلاحظ أن قصائداً ليست لأشعراء معروفين وهذا ما يثبته التاريخ إلا أننا نجد هذه القصائد مدونة بين دواوين أشهر الشعراء ...
الأهم من هذا أن تكزن عزيزي القارئ قد إستفدت مما أنا ملقيه عليك اللحظة...
دمتم بود أحبائي
أخوكم أمير الحزن ...